الصفحات

منزل عبد الرحمن الهواري

لقاهرة: دينا وادي 
عندما نذكر القاهرة الاسلامية يرد الى اذهاننا على الفور، ذكر المساجد والأضرحة والحمامات العمومية والمدارس والاسبلة، ونتناسى ان القاهرة تحتوي بداخلها ايضا على البيوت القديمة لاغنياء المماليك والبكوات، التي تحكي عن طريق جدرانها جزءا من تاريخ مصر.
ويذكر علماء الحملة الفرنسية في كتاب «وصف مصر» ان بالقاهرة اكثر من 600 بيت قابل للدراسة، الا ان الكثير من هذه البيوت اختفى لعدة اسباب، ابرزها تحديث المدينة وانخفاض عدد هذه البيوت ليصبح عام 1933 حوالي 70 بيتا، وهبط عددها الى 29 بيتا فقط، عام 1970، ومنذ هذا الوقت بدأ اهتمام الدولة بترميم هذه البيوت القديمة لاهميتها التاريخية ومن أبرز هذه البيوت، منزل الحاج احمد بن يوسف الصيرفي، المعروف بمنزل الهراوي نسبة الى عبد الرحمن بك الهراوي بن الشيخ عمران بن سيد أحمد الهراوي آخر مالكي هذا المنزل، والذي كان يعمل بمدرسة الطب بالقصر العيني.
وتقع هذه البناية الخاصة التي انشئت عام 1731 ميلاديا في قلب احد الاحياء المعروفة (نهاية زقاق العيني) المتفرع من شارع الازهر بالقاهرة القديمة، وهذا الزقاق رغم صغر مساحته الا انه يحتوي على مجموعة ليس لها نظير من التشكيلات المعمارية القاهرة، لبيت الهراوي جدار مشترك مع بيت الست وسيلة (القرن الـ17) وهو يجاور بيت زينب خاتون (القرن الـ15 الى الـ17) والقاعة الغنامية (القرن الـ14) واحد اسبلة ووكالات قايتباي (القرن الـ15)، كما انه علي مقربة من الجامع الازهر الذي انشئ في القرن العاشر.
ويشتمل البيت على ثلاث مجموعات معمارية مميزة، فالأجزاء الرئيسية ترجع الي 1731، بينما تعود تاريخ صالة الاستقبال الشرقية الى القرن الـ16 بينما المدخل الثاني الموجود في الجهة الشمالية من البيت، لم يتم اضافته الا في نهاية القرن الـ19.
وكما هو الحال في جميع بيوت ذاك العصر، فإننا ندخل في البداية في الفناء المكشوف، وهو عبارة عن مساحة مفتوحة تتحكم في مداخل مكونات البيت ولا تندهش عندما تجد اثناء جولتك في هذا البيت احد العازفين على الة العود، وتأكد انه احد طلبة بيت العود العربي الذي اسسه ويشرف عليه الموسيقي العراقي «نصير شمه» ولا تفاجأ، لأنك ستجد شمة نفسه امامك، فهذا البيت اصبح مقرا لاستضافة بيت العود العربي، ليصبح جامعة دول عربية اخرى في حي الازهر، ولكن من نوع آخر، وبالرجوع مرة اخرى الى فناء المنزل في الداخل نجد ان الصالونات تشغله من الجناحين الشرقي والجنوبي، في حين انه تم ابعاد المطابخ والمنافع الى المنطقة الخلفية من الناحية الجنوبية الشرقية، كما تحتوي البناية على طاحونة واسطبل في جهتها الجنوبية الغربية.
وتشغل المندرة وهي عبارة عن قاعة فسيحة لاستقبال الزوار من الرجال كل مساحة الجناح الشرقي للدور الارضي وربما يعود بناء اكبر حجم جدرانها وطرازها المعماري الى اواخر القرن الـ16 او اوائل القرن الـ17 باعتبارها الاثر الوحيد الباقي من بناية قديمة تهدمت، فقد احاطت بها الانشاءات الحديثة التي اقيمت عام 1731 وكعادة بيوت هذه الحقبة تتميز المندرة الفسحات الثلاث تتوسطها فسقية ثمانية الاضلاع، مزودة بقطع الفسيفساء كما يحليها فانوس يرتفع 14 مترا عن سطح الارض، ويحيط بهذه الفسقية ايوانان يتكونان من فسحتين مرتفعتين قليلا ليتمكن رب البيت من الوقوف متوسطا ضيوفه، ويتميز هذان الايوانان بأسقف مرسومة وخزانات حائطية متعددة الالوان.
أما صالة الاستقبال الثانية الاقل اتساعا فتشغل كل الجانب الجنوبي من الفناء، وتتكون ارضيتها من البلاط الجيري الابيض الكبير الحجم ذي النقوش المتشابهة ويلتف حول السقف شريط منقوش عليه العبارة التالية «انِشأ هذا المكان الحاج أحمد بن يوسف الصيرفي عام 1144 هجريا الموافق 1731»، ويلتقي في هذا السقف طرازان من العمارة القاهرية بتشكيلاتها المعمارية التقليدية والعثمانية بتكويناتها الزهرية الكثيرة الانتشار، وتطل على الفناء تكعيبتا عنب تسمح بدخول ضوء خافت وتنتهيان بشبكة كبيرة من الخشب المعشق (المشربية).
وتشغل الاجنحة الخاصة معظم ارجاء الدور الاول الذي يصل اليه السلم الوحيد، الذي يقع في الجانب الغربي من الفناء، ويتكون كل جناح من القاعة التقليدية الرحبة التي تلحق بكل منها بعض الحجرات، ويكون اللون الازرق الذي ينتشر على الجدران تركيبة فنية غاية في الروعة، لأنه يقوم بإبراز التكوينات الخشبية والزهرية التي تزين السقف.
وتشكل هذه المجموعات الثلاث التقسيمات الرئيسية للبيت، الذي يستقبل الاحتفالات الرمضانية، التي يقيمها صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة كل عام، وتحييها اشهر الفرق الموسيقية المصرية والعربية وأشهر المطربين، ليدخل هذا الاثر في نطاق الحياة اليومية للمنطقة، ويضمن له عدم الاندثار.
ويمكن القول إن من اكثر الجنسيات التي تقوم بزيارة هذا البيت ويعرفونه تماما، هم الفرنسيون نظرا لأن آخر مالك للبيت والذي ينسب اليه البيت (عبد الرحمن بك الهراوي)، كان من ضمن البعثة المصرية التي سافرت الى فرنسا لطلب العلم، لذلك يعرفه الفرنسيون جيدا، ومنذ عام 1993 الذي افتتح فيه البيت وبعد ترميمه التي شاركت فيه فرنسا عن طريق المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة والمركز القومي للدراسات العلمية بفرنسا ووزارة الخارجية الفرنسية، وبمشاركة هيئة الآثار المصرية اصبح احد المزارات المهمة في القاهرة القديمة، وموقعا يستقبل المناسبات الثقافية والحفلات الموسيقية والمعارض الفنية، بالاضافة لكونه مقرا لبيت العود العربي، وملاذا لطالبي العزف على آلة العود العربية.



































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق